علي الطنطاوي ..الشيخ الموسوعة

 

" أنا من "جمعية المحاربين القدماء"، هل سمعتم بها؟ كان لي سلاح أخوض به المعامع، وأطاعن به الفرسان، وسلاحي قلمي، حملته سنين طوالاً، أقابل به الرجال، وأقاتل به الأبطال، فأعود مرة ومعي غار النصر وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل. قلم إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر وإن أردته رزية حطمت به الصخر، وأحرقت به الحجر، قلم كان عذبا عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين".

هكذا يقول الرجل عن نفسه وهو في ذلك لم يجاوز الحق، وقد تمتلىء صفحات تاريخنا العربي بنماذج مبهرة لرجال برعوا في العلم والأدب والفقه والقانون والاعلام، ولكن أن يكون الرجل أديبا وفقيها وإعلاميا وقاضيا ومقاوما فلابد له أن يكون علي الطنطاوي كي يجمع كل ذلك، وهو في ذلك كله لم يكن سلاحه سوى الكلمة.

 

نشأته

ولد الشيخ علي الطنطاوي في 12 من يونيو عام 1909م في مدينة دمشق لأسرة ذات علم ودين، فوالده الشيخ مصطفى الطنطاوي من علماء الشام وأمين فتواها، وخاله محب الدين الخطيب كاتب وصحفي شهير، فألِف الشيخ علي الكتب وحلقات العلم منذ صغره، وكان ممن جمعوا بين طريقي العلم: الأخذ عن المشايخ والالتحاق بالمدارس النظامية، فتنقل بين عدة مدارس حتى وصل إلى "مكتب عنبر" وهي الثانوية الوحيدة بدمشق في ذلك الوقت، ومنه نال شهادة البكالوريا عام 1928م.

سافر بعد ذلك الى مصر للالتحاق بكلية دار العلوم، ولكنه عاد بعد عام واحد، والتحق بجامعة دمشق ومنها حصل على شهادته في الحقوق عام 1933.

 

الفتى المقاوم

نشأ الشيخ علي في فترة من تاريخ سوريا كانت فيها ترزح تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، فلم يكن ثمة مفر من توقد شرارة المقاومة في نفس الفتى الحر، وقد كان أول موقف له وهو في العاشرة حين أُعلِن في مدرسته عن المشاركة في مسيرة لاستقبال المفوض السامي الفرنسي الجديد رفض قائلا: أنه لابد ان يطرد لا أن يستقبل، وحين كان في الجامعة اتخذ لنفسه موقعا نضاليا متميزا، فكان مسؤولا عن لجنة الطلبة التي تتبع الكتلة الوطنية، فكان يخطب في زملائه ويكتب المقالات ويقود المظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي.

 

مسيرة حافلة

بدأ عمل الشيخ علي بالصحافة مبكراً، حيث نشر أول مقال له وهو بعد في السابعة عشرة من عمره، وحين دعاه خاله محب الدين الخطيب عام 1928م إلى مصر سافر وكانت بداية انخراطه بشكل جدي في الصحافة، إذ عمل في تحرير مجلتي الفتح والزهراء، وفي ذلك الوقت تعرف الى أحمد حسن الزيات الذي أصدر جريدة الرسالة المصرية وقد عمل بها الشيخ علي مدة من الوقت، وعندما عاد إلى دمشق تابع عمله بالصحافة في عدد من الصحف والمجلات، وبقيت الصحافة تلازمه دائما وإن تبدل شكلها فتارة الصحف وتارة الإذاعة وأخيرا التلفاز.

 

اشتغل الشيخ علي بالتعليم مذ كان طالبا، وامتهنه بشكل كامل نحو عشر سنين بعضها في مدارس الشام، ثم انتقل إلى العراق فدرَّس فيها وتنقل بين جميع مدنها، حتى عاد إلى الشام مرة اخرى عام 1939م، وفي عام 1941م عين قاضيا في ريف دمشق وأخذ يتنقل بعد ذلك ويترقى في المناصب حتى صار مستشارا لمحكمة النقض، وكانت له إسهامات كبيرة في سلك القضاء في وضع قانون الاحوال الشخصية، وتعديل قانون الاوقاف ومناهج الثانوية.

 

وفي أوائل الستينيات هاجر إلى السعودية بعدما ضاقت عليه سوريا بعد انقلاب حزب البعث، فعمل في التدريس في الجامعات السعودية، ثم تفرغ للعمل الإعلامي فقدم ثلاثة برامج أحدهم إذاعيا يوميا وهو مسائل ومشكلات" والاخر تلفزيونيا أسبوعيا وهو "نور وهداية" والثالث هو "على مائدة الافطار"".

 

وحين بلغ الثمانين من عمره ترك الإذاعة والتلفزيون، واعتزل الناس إلا المقربين منه يأتونه زائرين، حتى توفي عام 1999م ودفن في مكة، وفقدت الأمة بموته عالما جليلا وأديبا أريبا وصوتا مناضلا وعلما من أعلام الدعوة الاسلامية.

 

 

يمكنكم مشاهدة حلقات بودكاست" مع الطنطاوي" والذي قمنا فيه بتسجيل كتابات مختارة للشيخ علي :

https://youtube.com/playlist?list=PL6mPoTd7dO9hFYIMGokdPvcrABTC-oFlk&si=zACJVvNCUpfigyUP