"أدب الجريمة: هل تستطيع الرواية البوليسية العربية الخروج من دائرة الهامش؟"

 

تحمل الرواية البوليسية في طياتها الجمع بين التشويق والتحقيق، حيث تتناول كشف لغز جريمة عبر متابعة

التحقيقات تدريجيًا للإجابة عن سؤال "من فعل هذا؟". وعلى الرغم من أن هذا النوع من الروايات نشأ في أوروبا، إلا أن له جذورًا ضاربة في التراث العربي.

 

أصول الرواية البوليسية في التراث العربي

 

تعود جذور الرواية البوليسية إلى حكاية "التفاحات الثلاث" الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة، حيث يكلف الخليفة هارون الرشيد وزيره جعفر البرمكي بحل جريمة قتل في ثلاثة أيام، وإلا يُقتل الوزير نفسه.

قصتان أخريان من ألف ليلة وليلة، باسم "التاجر واللص" و"علي خواجة"، تتناولان اثنين من المحققين الخياليين، يكشفان عن أدلة ويقدمانها للقبض على مجرم وإدانته.

كما احتوى التراث العربي على قصص أخرى في باب الجريمة بشكل بدائي، مثل قصص "محاكمة دمنة" في "كليلة ودمنة"، التي تتواجه فيها دمنة بالاتهامات المعززة بالأدلة ومطلوب منها الدفاع عن نفسها.

 

تطور الرواية البوليسية العربية الحديثة

 

رغم تلك الجذور التراثية، تأخرت الرواية البوليسية العربية الحديثة في الظهور مقارنة بالأدب الغربي، الذي تأسس في أوروبا بالقرن التاسع عشر.

في الوطن العربي، ظهر بوضوح ظهور الرواية البوليسية في القرن العشرين، بمحاولة بعض الأدباء تكييف الرواية البوليسية مع الواقع العربي. من أبرزهم محمود سالم، بسلسلة "المغامرون الخمسة" الموجهة للصغار، والتي تحكي عن فريق من المحققين الصغار الذين يحلون الألغاز المعقدة.

حتى نجيب محفوظ، ورغم اعتماد رواياته على البعد الاجتماعي، كتب في عام 1961 روايته "اللص والكلاب" بصبغة بوليسية.

في العقود التالية، برز عدد من الكتّاب الذين تخصصوا في الرواية البوليسية، مثل الميلودي الحمدوشي في المغرب، الملقب بـ«كولومبو الأدب في المغرب»، بحصيلة من القصص البوليسية تحول بعضها إلى عمل تلفزيوني، على غرار فيلم «الحوت الأعمى».

وللأحداث السياسية دور مهم في سرد القصص البوليسية، ففي لبنان التي عانت سنينًا من العنف فترة الحرب الأهلية، نظر الروائيون اللبنانيون إلى القصص البوليسية من منظورهم الخاص. ففي روايته "أقنعة بيضاء"، ابتكر إلياس خوري نوعًا خاصًا، حيث يحاول صحفي مجهول الهوية البحث عن قاتل الموظف الحكومي خليل جابر، ليفشل في الوصول إليه، والمهم عند إلياس الإشارة إلى ثقافة العنف التي جعلت من اغتياله أمرًا ممكنًا. في هذا، تتشابه الرواية مع روايات بوليسية لبنانية أخرى، مثل رواية "تقرير ميليس" لربيع جابر.

في الفترة المعاصرة، ومع تحرك الدراما العربية صوب الأعمال التشويقية، تحولت الروايات البوليسية إلى شاشات التلفزيون، وبرزت أسماء لامعة في ذلك المجال، مثل أحمد مراد، في روايته «فيرتيجو» التي تتحدث عن جريمة بين رجال المال، تحاول شخصية أحمد كمال التي صورت الجريمة كاملة الدخول في معركة مع أصحاب السلطة كشفت عن أسرار مخيفة.

التحديات التي تواجه الرواية البوليسية العربية

 

رغم الشعبية المتزايدة، لا تزال الرواية البوليسية العربية تواجه تحديات متمثلة في:

  • الهامشية الأدبية: من الشائع أن تُهمش الرواية البوليسية في المشهد الأدبي العربي مقابل الأجناس الأدبية التقليدية، مما يحد من انتشارها وتأثيرها.
  • المنافسة مع المُنتج الأجنبي: يواجه الأدب البوليسي العربي منافسة شرسة مع الأعمال الأجنبية المترجمة التي تنتشر في السوق العربي، وتحظى بشعبية واسعة.
  • تحديات فنية: بما أنّه فن حديث نسبيًا ولم يجد الاهتمام العربي التقليدي، يفتقر عدد من الكُتّاب إلى الوسائل اللازمة لتطوير مهاراتهم في بناء الحبكة البوليسية، والابتعاد عن النمطية والتكرار.

وقد ناقش الميلودي الحمدوشي نقص الأدبيات البوليسية في العالم العربي، لأنها "يُنظر لها كالوجه الكالح الذي تتحاشى المجتمعات الحديث حوله لأنها غالبًا ما تكون مسؤولة عنه اجتماعيًا واقتصاديًا على الأقل".