تشتهر الجزائر بلقب بلد المليون ونصف شهيد، لم ييأس شعبها من تحقيق الاستقلال والنضال ضد الظلم، فكانت

ساحة الشهداء بالجزائر العاصمة ملتقى للمحتجين منذ عصر الاستعمار الفرنسي حتى أيامنا الحالية. تقع ساحة الشهداء في منطقة القصبة عاصمة الجزائر العثمانية، فكانت الساحة في العهد العثماني موقعًا للأسواق التي يلتقي فيها سكان ضواحي الجزائر العاصمة، ومكان مشهور فيه تربية الماعز، فسمي حي

كتشاوة الذي يعني الماعز بالتركية.

يحد الساحة غرباً واحد من أكبر الأحياء الشعبية في الجزائر من حيث الكثافة السكانية والشهرة، وهو حي باب الواد الذي يعود تاريخه إلى نهاية القرن التاسع عشر، حين سكنه اليهود إبان الاستعمار الفرنسي، من اليهود الفارين من الأندلس بعد سقوطها، كما استقرت به عائلات أوروبية، إسبانية ومالطية وإيطالية وفرنسية، واستقبل الحي معركة باب الوادي ‏ التي تمت بين مقاتلي منظمة الجيش السري والجنود الفرنسيين في المدّة من ٢٣ مارس حتى ٦ أبريل ١٩٦٢.

لا ترجع تسمية الساحة بكنية الشهداء إلى المقاتلين الذين سقطوا خلال حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي التي أدت إلى استقلال البلاد في ١٩٦٢، لكن الحقيقة أن سبب التسمية يعود إلى بدايات الاحتلال الفرنسي تحديدًا عام ١٨٣٢.

حيث ارتبط اسم الساحة بمسجد

كتشاوة الذي يبعد عنها بأمتار قليلة، حين أصدر الاستعمار الفرنسي قراراً بتحويل المسجد إلى كاتدرائية، فسارع أربعة آلاف من الجزائريين إلى الاعتصام بداخل المسجد منعاً لتنفيذ تلك الخطوة. واستفز تحرك الجزائريين القوات الفرنسية التي اقتحمت المسجد وأخرجت منه المعتصمين بالقوة واقتادتهم إلى ساحة الشهداء، وأطلقت عليهم النار.

بقيت الحادثة منقوشة في وجدان الجزائريين حتى استقلت الجزائر في عام ١٩٦٢، وقتها سارعت السلطات إلى

وإعادة الكاتدرائية إلى شكلها السابق مسجداً، وإطلاق اسم ساحة الشهداء بدلاً من المسمى العثماني لها (الماعز).

 

وكان لتلك المنطقة دور في محاربة الاستعمار وتشجيع حركات التحرر في الجزائر، فمع إعلان الرئيس الفرنسي

شارل ديجول على مبدأ الجزائر جزائرية، تحددت زيارته إلى الجزائر يوم التاسع من ديسمبر عام ١٩٦٠، توجّه بها إلى مدينة "عين تموشنت" للإشراف على تطبيق مخططه، إلا أن المستوطنين الفرنسيين بالجزائر استقبلنه بالرفض لمشروعه، ونظموا مظاهرات مضادة بشعار "الجزائر فرنسية"، مقابل ذلك انتفضت الجماهير الجزائرية الشعبية وخرجت في مظاهرات عارمة بقيادة جبهة التحرير الوطني في الحادي عشر من نفس الشهر، تعبيرًا عن وحدة الوطن والالتفاف حول الثورة التحريرية والمطالبة بالاستقلال غير المنقوص للجزائر حاملين العلم الوطني وشعارات كُتب عليها "تحيا الجزائر"، "تحيا جبهة التحرير الوطني".

 

وكتب عن ذلك الشاعر الجزائري احمد حمدي "ما أوسع ساحة الشهداء، آه ما أضيق زقاق الاستقلال“

 

وبعد الاستقلال، شهدت الساحة أحداث مهمة تمثلت في التجمعات الحاشدة للجبهة الإسلامية للإنقاذ عام ١٩٨٩، الذي مثل ذلك العام الاعتراف الحكومي بالجبهة ودخولها الانتخابات التشريعية في العام التالي، وفي عام ٢٠١١ شهدت الساحة مكانًا لحشد المتظاهرين ضد ارتفاع أسعار السلع التموينية مع عرف باسم انتفاضة "الزيت والسكر" .

وبحلول عام ٢٠١٩ تجمهرت الحشود في الجزائر وخرجت في الميادين العامة، للمطالبة بإصلاحات سياسية، بدأت تلك التحركات بقوتها في الثاني والعشرون من فبراير عام ٢٠١٩، خرج الجزائريون كل جمعة للمطالبة بإسقاط النظام، وحل النخبة الحاكمة، لإقامة تغيير جذري في الدولة، فكانت الساحة مهرجانًا ثوريًا، انتهى برحيل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم بحلول الثاني من أبريل لعام ٢٠١٩، واستقبلت ساحة الشهداء المظاهرات بعد قرار السلطات الجزائرية إغلاق ساحة البريد المركزي، واستمرت الساحة في استقبال المظاهرات المطالبة باستكمال مسار الثورة بعد رحيل بوتفليقة.