لم تتوانَ غزة منذ احتلالها عن المقاومة، ولم تكن سهلة السيطرة من العدو الصهيوني، فكان حي الشجاعية مثال صريح على روح النضال ورفض الخنوع.

 

من التاريخ إلى الثورة

 

تبلغ مساحة المناطق السكنية في الشجاعية حوالي أربعة كيلومترات مربعة. ويبلغ عدد سكان الحي قرابة ١٣٠ ألفًا، شارك جزءٌ منهم مع غيرهم من أهالي غزة في مختلف مشاهد النضال ضد الاحتلال الصهيوني، منذ احتلال غزة 1956م، أو إعادة احتلالها مجددًا عقب هزيمة يونيو 1967م.

 

ارتبط اسم الحي بالشجاعة والرباط منذ تأسيسه في العصر الأيوبي كامتداد لمدينة غزة من جهتها الشرقية، وحمل اسم الأمير الأيوبي شجاع الكردي، الذي توفي في معركة مع الصليبيين عام ٦٣٧ هجريًا، ويسمى الجزء الجنوبي من الشجاعية حي تركمان بسبب تركز العشائر التركمانية التي استقرت هناك في عهد السلطان الأيوبي الصالح أيوب.

 

فكان أهالي الحي شجعانًا على نهج الأمير الأيوبي، ففي أكتوبر ١٩٨٧ من نفس العام عرف الحي حدثًا فارقًا في حينه، عرف باسم معركة الشجاعية، التي هاجم فيها أربعة من مقاتلي حركة الجهاد الإسلامي، حاجزًا عسكريًا إسرائيليًا في الشجاعية، ونجحوا في قتل ضابط في جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، ثم خاضوا اشتباكًا ضاريًا مع القوات المُحتلة حتى قُتلوا جميعًا. وكانت تلك المرة الأولى منذ سنوات التي تشهد فيها غزة عملًا فدائيًا مسلحًا بهذا الشكل، فكانت المعركة بعدها بشهرين شرارةً للانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر 1987م.

 

مدرسة المقاومة

 

وكان لأبناء الحي دور بارز في تأسيس نهج مُسلح للمقاومة ، مثال على ذلك المُقاوم أيمن أبو هين وأخويه، الذين أبعدتهم إسرائيل عام 1992م لمدة عام كامل إلى جنوب لبنان، وأضطروا لإعادتهم بعدما رفضوا كل الصفقات الجزئية. وكان أبو هين من خبراء المتفجرات، وسُجن خمس سنوات لدوره في إعداد الأحزمة الناسفة التي اُستخدمت في عمليات الانتقام لاغتيال يحيى عياش.

 

 

 

وفي مايو عام 2003م، اقتحمت القوات الخاصة الإسرائيلية حيّ الشجاعية تحت غطاء جوي، بهدف اغتيال او اعتقال الأشقاء الثلاثة. لكنهم وجدوا مقاومة شرسة من أبناء أبو هين، بمساندة عشرات من مقاتلي كتائب القسام في الشجاعية، واضطر الجيش الإسرائيلي لقصف المنزل بالصواريخ، بعدما حققت مقاومة المقاتلين الفلسطينين إصابات بالغة بالعدو. ليُعلن عن مقتل الثلاثة، ومعهم ثلاثة من المقاومين، وسبعة من أهل الشجاعية. وعرف هذا الحدث باسم مجزرة أبو هين.

 

 

لكن بحلول حرب غزة عام ٢٠١٤ ظهرت قيمة الشجاعية في تاريخ النضال الفلسطينى،

اندلعت تلك الحرب في الثامن من يوليو 2014م، بحملة جوية شرسة استمرت لأسبوع، ارتقى خلالها أكثر من مائتي من أهالي غزة، أعقبه هجوم بري ضد القطاع بدأ مع يوم 17 يوليو. وفي ليلة 19 يوليو حاولت قوات لواء النخبة التقدم في المناطق الشرقية من الشجاعية، لكنها مع تجاوزها السياج الحدودي فاجأها كمين للمقاومة، أسفر عن مقتل 7 جنود، وخلال الساعات التالية، نجحت كمائن متتالية في الشجاعية وحي التفاح المجاور لها في رفع حصيلة القتلى وفق كتائب القسام إلى ثلاثين جنديًا على الأقل، وأسرت واحدًا هو شاؤول آرون.

 

 

 

انتقم العدو لخسارته الموجعة بالمعركة بالانتقام من السكان المدنيين، فارتكب يوم 20 يوليو 2014م الموافق23 رمضان 1435هـ مجزَرة الشجاعية والتي راح ضحيتها قرابة 120 من أهالي الحي، بواسطة القصف الجوي ضد منازل المدنيين ومرافق الحي.

 

 

وفي حرب غزة التي اعقبت عملية طوفان الأقصى عام ٢٠٢٣، افتتحت الشجاعية فصول بطولاتها باكرًا، فقد استهدف مقاتلوها يوم 28 أكتوبر 2023م مدرعة إسرائيلية تحمل بين 8 و14 جنديًا شرق الشجاعية.

 

 

بالإضافة لعملية كمين الموت في ديسمبر ٢٠٢٣، عندما اُستدرجت فصيلة صهيونية إلى أحد المنازل، لتستهدفها عبوة ناسفة، ثم مهاجمة قوة الإنقاذ التي قدمت لنجدتها. يلعترف العدو بمقتل تسعة من ضباطه وجنوده في تلك العملية.

 

 

لذلك نال هذا الحي المرابط نصيبًا خاصًا من التدمير الوحشي، بشكل يصعب علينا إحصاء عدد القتلى من هذا الحي، لكن لم يتراجع الحي كغيره من أحياء غزة عن البسالة والاحتساب