روبن هود ليس أول اللصوص الشرفاء، فقد سبق الأسطورة الإنجليزية لسارق الأغنياء ومانح الفقراء في عمله جماعة ظهرت قبل آلاف السنين في شبه جزيرة العرب، سماهم الناس بالصعاليك، فما الذي نعرفه عنهم ومن هم أبرز اللصوص الشعراء؟
من هم الصعاليك بين اللغة والتاريخ؟
الصعلكة لغة هي الفقر وانعدام العون، والصعلوك هو الفقير الذي يواجه الحياة وحيداً مجرداً من كل وسائل العيش فيها، فلا يملك شيئاً يعتمد عليه في مواجهة مشكلاتها، فبؤسه ليس فقراً فقط ولكنه فقر يغلق أبواب الحياة في وجه صاحبه.
أما "الصعاليك" فلفظ يطلق على مجموعة من الأفراد ظهرت في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان كل واحد منهم ينتمي إلى قبيلة مختلفة، ولكنهم اشتركوا بأنّ قبائلهم لفظتهم لأسباب متعددة، فامتهنوا غزو القبائل بقصد الأخذ من الأغنياء الأشحاء ما يرونه حقا لهم.
طوائف الصعاليك وطبقاتهم:
والصعاليك ينقسمون لثلاث طوائف تبعاً لظروف نشأتهم وحياتهم، فالأولى
طائفة الخلعاء والشذاذ: وهم الذين تبرأت منهم قبائلهم تماماً، فلم يعد ثمة عقد اجتماعي يربطهم بينهم، فلا تخرج القبيلة في طلب حقهم أو الثأر لهم، وكذلك لا تتحمل لهم جريرة.
والطائفة الثانية هم الأغربة: وهم أبناء الإماء الذين امتلكوا بشرة سوداء سرت إليهم من أمهاتهم فلم يعترف بهم آباؤهم من العرب وازدروهم لأن دماؤهم ليست عربية خالصة.
أما الطائفة الثالثة فهم الفقراء المتمردون على الظروف الاقتصادية المجحفة التي كانت تسود المجتمع الجاهلي في ذلك الوقت.
من هنا يظهر لنا أن انفراط العقد الإجتماعي الذي كان يربط هؤلاء بقبائلهم مثّل أول نقطة في طريقهم للصعلكة، فانطلقوا إلى الصحراء يتخذون من جبالها وكهوفها ومنحدراتها الوعرة بيوتاً لهم، يفترشون أرضها ويلتحفون سماءها ويتخذون من حيواناتها أنيساً لهم، وبسبب حرمانهم انطلقوا انطلاق الذئاب الجائعة فلم يكن غريباً أن يعرفوا بالذؤبان، غير أن هذا اللقب لم يكن الوحيد الذي عرف به الصعاليك فقد عرفوا كذلك ب "العدائين" وذلك لما كانوا يمتازون به من سرعة عالية حتى أصبحوا مضرب الامثال في سرعة العدو فيقال" أعدى من الشنفرى"و" أمضى من سليك".
محاسن مقابل المساوئ:
إلى جانب القوة الجسدية فقد عرف الصعاليك كذلك بالشجاعة والجرأة وقوة البأس، وتفيض الأخبار والأشعار بذكر هذه الشجاعة حتى قيل أنّ فارساً من فرسان العرب الأعلام وهو عمرو بن معد قال "ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها، ويقصد بالهجينين عنترة ابن شداد والسليك بن السلكة وهو أحد الصعاليك".
صفة أخرى ميزت الصعاليك وهي الكرم، فرغم الفقر الشديد الذي عانوا منه كان الكرم صفة ملازمة لهم حتى أن المثل يقول "كل صعلوك جواد"، وقد قال عبد الملك بن مروان: "من قال أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد" أي أنه قرن عروة بن الورد وهو أحد الصعاليك بحاتم الطائي الذي يعتبر أكرم العرب.
أشهر شعرائهم
وقد برع الصعاليك فيما برع فيه العرب قاطبة وهو الشعر، فكان منهم شعراء بارزين مثل:
عروة بن الورد العبسي وهو شاعر وفارس جاهلي، لقب بأمير الصعاليك، عرف بالجود إذ كان يهاجم الأغنياء البخلاء ليوزع ما يغتنمه منهم على الفقراء ممن كانوا يلوذون به فكأنه بمشاركته الفقراء قوته يقسم جسمه في أجسامهم فيغدو هزيلاً، وهو في ذلك يقول :
إِنّي اِمرُؤٌ عافي إِنائِيَ شِركَةٌ
وَأَنتَ اِمرُؤٌ عافي إِنائِكَ واحِدُ
أَتَهزَأُ مِنّي أَن سَمِنتَ وَأَن تَرى
بِوَجهي شُحوبَ الحَقِّ وَالحَقُّ جاهِدُ
أُقَسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرَةٍ
وَأَحسو قَراحَ الماءِ وَالماءُ بارِدُ
تأبط شرّاً
هو ثابت بن جابر الفهمي، من أهل تهامة، لقب بتأبط شرا لأسباب مختلفة منها أنه قتل غولاً ووضعه تحت إبطه ومضى به إلى قبيلته، وأنه كان إذا خرج للغزو وضع سيفا تحت إبطه، وقد كان شاعراً متمرداً تميز شعره باستخدام المفردات الغريبة الخشنة.
الشنفرى:
هو ثابت بن أواس الأزدي، قتل أبوه وهو صغير ، وتعرّض للأسر، فعاش حياة صعبة ثار فيها على القبيلة التي أسرته، وصار بعدها من الصعاليك، وتنسب له لامية العرب الشهيرة التي فيها الكثير من الحكمة ومكارم الأخلاق.
أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم
فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لأمْيَلُ
فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ
وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
هكذا كان الصعلوك جانياً ومجنياً عليه في آن واحد، فقد جمع عليه الزمان الفقر والضيم وخذلان الأهل، فانطلق يصنع لنفسه قدراً جديداً يتبدل فيه الظلم بالعدالة من وجهة نظره، والعشيرة من قومه بأخرى لم يجمعه معها النسب والدم، وإنما الفقر والظلم، فصار لإغارته على القبائل وجها من وجوه العدالة الإجتماعية، وصار هو بشكل ما ثائراً ومقاوما !
المصادر:
الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي - يوسف خليف