في الإذاعة الصوت هو الأساس فالمذيع بصوته فقط يجعل المستمع يشاهد الأحداث ويستشعرها يستمتع بها أو يتألم لها، يستسلم أو يثور عليها، وهذا ما شهدته الإذاعات العربية في بداياتها حيث كانت نشأة الإذاعة في الوطن العربي متزامنة مع الاستعمار الذي عاشته الدول العربية حينها، ففي ظل الوسائل المحدودة للإطلاع على آخر الأنباء نالت الإذاعة أهميتها آنذاك حيث كانت نشأة الإذاعة في الوطن العربي تحولا سياسيا واجتماعيا مهما.
بدأت الإذاعة العربية مسيرتها عام 1925 بمبادرات فردية وأهلية لهواة اللاسلكي وبمبادرات حكومية كما في مصر وعلى يد الاستعمار كما في الجزائر.
بعد الجزائر ومصر توالى ظهور الإذاعات حيث ظهرت الإذاعة الأولى في المغرب سنة 1928، ثم في تونس والعراق ولبنان وليبيا في الثلاثينات، لتلحق بها السودان وسوريا والبحرين والصومال واليمن والأردن والسعودية في الأربعينات، وتأخرت الكويت وإذاعة صوت فلسطين من القاهرة حتى الخمسينات، وتلتها كل من موريتانيا والامارات في الستينات.
كانت عبارة "هنا لندن.. سيداتي سادتي، نحن نذيع اليوم من لندن باللغة العربية لأول مرة في التاريخ" بصوت المذيع كمال سرور هي المرة الأولى التي يذاع فيها باللغة العربية من خارج حدود الوطن العربي في تاريخ الثالث من يناير من سنة 1938 عبر قناة بي بي سي الإذاعية البريطانية.
أما عن الإذاعة الأولى التي بدأت البث في جميع الدول العربية (إذاعة صوت العرب) فقد بدأت كبرنامج تحت اسم صوت العرب يذيعه راديو القاهرة وتطورت لاحقا لتصبح إذاعة مستقلة.
عرفت إذاعة صوت العرب بإذاعتها لخطابات الرئيس جمال عبدالناصر التي كان يحث فيها إلى الوحدة والقومية والعربية حيث أدرك جمال عبدالناصر أهمية الإذاعات في التأثير على الرأي العام مما دفعه لدعم إذاعة صوت العرب وهذا ما أدى إلى مضاعفة وقت البث الإذاعي من نصف ساعة يوميا إلى البث على مدار الساعة. وقد وصلت ذروة شهرتها في الخمسينات والستينات.
كان بث إذاعة صوت العرب مشبعا بالأفكار الثورية المناهضة للاستعمار والمطالبة بتشكيل وحدة عربية، حتى أصبح صوت العرب صوت الثوار في الجزائر والمغرب وتونس و أذاع رسائل مشفرة لجبهة تحرير الجزائر والمقاومة الفلسطينية و لحركة التحرير في جنوب اليمن.
وفي عام 1956 حيث كانت القومية العربية في أوجهها بدأ العدوان الثلاثي على مصر وبرز دور الإذاعة حينها حيث قصفت طائرات العدو الإذاعة قبل بدء جمال عبدالناصر خطابه الأول بعد بدء العدوان الثلاثي ليقطع الإرسال, فما لبث أن جاء الرد على نبأ انقطاع الإرسال عن الإذاعة المصرية على لسان المذيع السوري عبدالهادي البكار "من دمشق: هنا القاهرة" فكانت تلك الكلمات النارية مؤازرة إذاعية ما زالت حتى الآن خالدة في ذاكرة العرب عامة والمصريين خاصة.
أما في بغداد فقد انطلق بث إذاعة بغداد في الأول من يوليو من سنة 1936 بحضور ملك العراق (غازي بن فيصل الأول) ما يبرز أهمية الحدث وشده لانتياه العراقيين إلى أهمية الإذاعة في ذلك الوقت. وفي عام 1938 انتقلت الإذاعة في العراق إلى مرحلة أخرى حيث ازداد البث تدريجيا ليصبح يوميا بعد أن كانت تبث يومين في الأسبوع . وكانت تفتتح برامجها صباحا بصوت بلبل ميكانيكي لمدة 30 عاما حتى ارتبطت ذاكرة العراقيين بصوت البلبل الذي كانوا يعتقدون انه بلبل حقيقي.
وعلى امتداد سنوات طويلة ازدادت أعداد الإذاعات وتضاعفت حتى فقد معظمها الشروط السليمة للإذاعة في ظل الفوضى الإعلامية وانعدام وجود ضوابط التأسيس وممارسة المهنة وبالإضافة إلى ظهور التلفاز والانترنت باتت الإذاعات تفتقر جمهورا واسعا وفقدت شعبيتها في العالم العربي.