في عصرنا الحديث لا غنى لنا عن التكنلوجيا التي باتت الأساس الذي نعيش عليه لتسيير أمورنا الحياتية والمضي قدماً فيها، لكن ماذا عن أسلافنا فيما مضى؟ هل فكرتم يوماً كيف تسنّى لهم ذلك؟

إن الصّوت البشريّ هو أقدم وسيلة تواصل ساهمت في قدرة الإنسان على التعبير والحديث والتواصل، وإن الرغبة في تطوير هذا التواصل أمرٌ فطريّ، فعمِل الناس قديما على اكتشاف وسائل تساعد في نقل المعلومات لمسافات أبعد، مدركين أهمية التواصل بينهم وبين الآخرين، متمكنين من الوصول إلى بعضهم البعض رغم المسافات والعوائق الكثيرة.

 كان الناس في العصور القديمة بحاجة إلى ترجمة الإشارات المُستخدمَة، فقد كانوا يعلمون أن رتم بعض الأصوات وإصدارها بطريقة تسلسلية وبعدد اهتزازات معين تشكل لهم معلومات ورسائل يستطيعون فهمها فيما بينهم، وعلى الرغم من محدودية الرسائل إلا أنها كانت تؤدي دوراً مهماً في ذلك الزمان بين الجنس الواحد.

فمثلاً، كان للدخان الصاعد من المنارات نهاراً دلائلَ على النصر أو إخطار بأمر هام وعاجل بين القبائل، فسحابة واحدة من الدخان تعني الانتباه، سحابتان تعني كل شيء على ما يرام؛ وثلاثة تعني الخطر أو المساعدة، وهناك بعض الإشارات المشفرة التي تساعدهم على تبادل الرسائل الخاصة رغم قدرة الجميع على رؤيتها ويعد ذلك من أشكال التواصل المرئي بين مسافات بعيدة.

أما أصوات الطبول فقد شغلت حيزاً كبيراً خاصة لمن كان يجيد استخدامها لصياغة الرسائل بطريقة صحيحة وإيصالها بين المناطق والقرى والغابات. ويختلف استخدامها على نطاق واسع بين الثقافات، كالمعارك قديماً؛ فكانت افريقيا والهند والصين هي أول من استخدم الطّبل كأداة مثالية لتوصيل المعلومات إلى عدد كبير من الجنود المدربين في الجيش، ويرجع أقدم مثال مسجل للطبول المستخدمة في المعركة إلى عام 684 قبل الميلاد في الصين، خلال الحرب بين تشي ولو. وسرعان ما تطور استخدام الطبول ليصبح الإنسان على دراية أكثر باستخدامها في ساحة المعركة من إضعاف معنويات العدو، وإقامة الحشود، والتواصل بين طرفين متحاربين، والاتصال العسكري بين الرتب، والتدريبات والاحتفالات العسكرية.

كان الصفير أيضاً من وسائل التواصل المعروفة عبر الوديان العميقة التي نشأت في جزر الكناري والتي اعتادت على استخدامه قديماً عبر إصدار نغمات متحركة مختلفة يتم فك تشفيرها من قبل سكان الجزيرة نفسها. والجدير بالذكر أنه مازال هناك بعض المناطق التي تستخدم هذه الوسيلة في عصرنا الحالي في جبال شمال شرق تركيا، ويمكنهم نقل الرسائل حتى مسافة 5 كيلومترات.

أما الركض فكان إحدى الوسائل الإخبارية التي عرفها الإغريقيون في اليونان قديما، فهو وسيلة تواصل أيضا، لكنها تسغرق وقتا أطول وقد يصاب العدّاء في طريقه لتوصيل الرسالة، ناهيك عن احتمالية عدم وصولها. 

استمرت الشّعوب قديما في استخدام الحمام الزاجل كوسيلة تواصل لثقتها في ذلك الطير لأنه يصل سريعا ولا يضل طريقه. وكانوا بعد إرساله يقومون بإرسال طائر آخر بعده بساعات بنفس الرسالة خشية عدم وصول الأولى. وقد ذكر الجاحظ في كتابه "الحيوان" اهتمام العرب بالحمام الزاجل الذي كانوا يُسمونه "حمام الهدّي"، يقول: "ولولا الحمام الهدي (الزاجل)، لما جازَ أن يعلم أهل الرّقّة والموصل وبغداد ما كان بالبصرة وحدث بالكوفة في يوم واحد، حتى إن الحادثة لتكون بالكوفة غدوة (صباحا) فيعلمها أهل البصرة عشية ذلك". 

لا تزال وسائل التواصل حتى يومنا هذا في تطور هائلٍ ومستمر، وسيبقى "الصّوت" الوسيلة الأمثل للتواصل البشريّ والتعبير عن العواطف ونقل المعلومات والأخبار مهما واصلت التكنولوجيا تقدمها.