الزلازل في التراث العربي: كيف حاول العلماء العرب فهم الظواهر الطبيعية؟
"في ليلة الخميس التاسع من شعبان سنة ٥٥١ الموافق لليوم السابع والعشرين من أيلول في الساعة الثانية منها وافت زلزلةٌ عظيمة رجفت بها الأرض ثلاث أو أربع مرات ثم سكنت بقدرة من حركها وسكنها سبحانه وتعالى من مليك قادر قاهر ثم وافى بعد ذلك ليلة الأربعاء الثاني وعشرين من شعبان المذكور زلزلة وجاءت قبلها وبعدها مثلها في النهار وفي الليل ثم جاء بعد ذلك ثلاث دونهن بحيث أحصين ست مرات وفي ليلة السبت الخامس وعشرين من الشهر المذكور جاءت زلزلة أرتاع الناس منها في أول النهار وآخره ثم سكنت بقدرة محركها سبحانه وتعالى
وتواصلت الأخبار من ناحية حلب وحماة بانهدام مواضع كثيرة وانهدام برج من أبراج أفامية بهذه الزلازل الهائلة وذكر إن الذي أحصى عدده منها تقدير الأربعين على ما حكى والله تعالى أعلم"
تاريخ دمشق لابن القلانسي - ص514
كان ذلك غيض من فيض حفلت به كتب التراث العربي والعلماء العرب والمؤرخين والجغرافيين منهم على وجه الخصوص، إذ
تعتبر الزلازل من أبرز الكوارث الطبيعية التي شغلت تفكيرهم في مختلف العصور،فاجتهدوا في تأويل أسبابها ووضع التفاسير المختلفة اعتماداً على ما كانوا قد وصلوا إليه من الأدلة العلمية واستئناساً بما فهموه من تفسيرات دينية وردت في بعض النصوص والأحاديث، ورغم أن تفسيراتهم كانت بعيدة عما توصلت إليه العلوم الحديثة في زماننا، إلا أنها مثلت محاولات جادة لفهم هذه الظواهر الغريبة. وكان من أبرز العلماء الذين اهتموا بدراسة الزلازل: السيوطي، والمقريزي، وابن سينا، والكندي، وابن القيم.
أسباب الزلازل وفقاً للعلماء العرب
بما امتلكوه من مراجع ومعلومات ومشاهدات آنذاك، اتفق معظم العلماء على أنّ سبب الزلازل تخلخلاتٌ تحدث في قشرة الأرض نتيجة تبخّر المياه الجوفية داخلها وتكوّن الأدخنة، فتنشقّ الأرض لتُخرج الرياح المحتبسة والهواء الزائد منها.
وقد نقل الجغرافي الكويتي أ.د عبد الله الغنيم في كتابه الذي يعتبر من أبرز الأوراق البحثية في هذا المجال "أسباب الزلازل وأحداثها في التراث العربي"، نقل عن عدد من علماء العرب والمسلمين أقوالاً وتعريفات وتفسيرات لهذه الظاهرة، منها ما ورد عن القزويني من تفسير للظاهرة قوله:
"زعموا أنّ الأدخنة والأبخرة الكثيرة إذا اجتمعت تحت الأرض، ولا يقاومها برودة حتى تصير ماء، وتكون مادتها كثيرة لا تقبل التحليل بأدنى حرارة، ويكون وجه الأرض صلباً لا تجد فيه البخارات إذا قصدت الصعود المنافذ والمسام، فتهتز لذلك بقاع الأرض وتضطرب كما يضطرب بدن المحموم عند شدة الحمى"
في تفسير آخر، اعتبر "إخوان الصفا" أنّ "الكهوف والمغارات والأهوية التي في جوف الأرض والجبال، إذا لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه، بقيت تلك المياه هناك محبوسة زماناً، وإذا حمى باطن الأرض وجوف تلك الجبال، سخنت تلك المياه ولطفت وتحللت وصارت بخاراً، وارتفعت وطلبت مكاناً أوسع"
أما عن أوقات حدوثها:
أشار ابن سينا إلى أنّ الزلازل غالباً ما تكون في الليل، وأحياناً في منتصف النهار لتخفيف حرارة جوف الأرض وتبريدها
"وذلك في الأكثر يكون ليلاً لتخصيف البرد في وجه الأرض وبالغدوات أيضاً، وقد يكون في أنصاف النهار بسبب شدة جذب الحر لبخار مع تجفيف وجه الأرض وإعادة البرد إلى داخلها على سبيل التعاقب"
وسائل الحماية من الزلازل قديماً:
لم تكن وسائل التنبؤ بالزلازل والحماية من الأضرار عند وقوعها متوفرة في ذلك الزمن بالطبع، لكنّ ذلك لم يمنعهم من المحاولة،
فاقترح بعض العلماء العرب شيئاً من الحلول للتقليل من مخاطر الزلازل، منها ما اقترحه ابن سينا أيضاً بالإكثار من حفر الآبار وشق القنوات للتنفيس من الغازات والهواء المضغوط تحت الأرض، ومنها الحدّ من زيادة رجفات الزلزال.
مؤلفات التراث العربي حول الزلازل:
حفلت المكتبة العربية بكتب كاملة ومؤلفات عديدة عن الزلازل وأسبابها ووصفها، منها:
"كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة" لجلال الدين السيوطي
"تحصين المنازل من هول الزلازل" لأبي الحسن بن الجزار
"علم حدوث الرياح في باطن الأرض" للمحدث الكندي
""الإنذار بحدوث الزلزال" لابن عساكر كما ورد في معجم ياقوت الحموي
رغم أن تفسيرات العلماء العرب والمسلمين للزلازل لم تتطابق مع ما توصل إليه العلم الحديث، فإن محاولاتهم في تفسير هذه الظواهر تعد جزءًا من التراث العلمي الغني الذي ساهم في تطور الفكر العربي والإسلامي.